سلسة هذه هي زوجتي … الصفة السادسة


معطاءة ومضحية، تنكر ذاتها وتنسى نفسها، وتؤثر زوجها على نفسها، تقدم رضاه على رضاها، وهواه على هواها، وما يحب على ما تحب. طاعته في غير معصية أصلٌ أصيلٌ عندها، إذا فقدته فكأنما فقدت الهواء الذي تتنفسه.

الزوجة الصالحة لا تقول أنا وأنا، وإنما عملها هو الذي يُضفي عليها نورًا من نكران الذات والتضحية والعطاء، حتى تؤثر زوجها دائمًا على نفسها، فهي تتحمل حتى لا يتألم، وتصبر حتى لا تؤذيه.

قال ابن الجوزي رحمه الله: “وينبغي للمرأة العاقلة إذا وجدت زوجًا صالحًا يلائمها، أن تجتهد في مرضاته، وتتجنب ما يؤذيه، فإنها متى آذته أو تعرضت لما يكره، أوجب ذلك ملالته، وبقي ذلك في نفسه، فربما وجد فرصته فتركها أو آثر غيرها”([1]). يمكنك الاستماع لنشيد جميل فى نهاية هذا الموضوع……

ومعرفة الزوجة لما يحبه زوجها ويكرهه من الأقوال والأعمال فتقوم به، إنما هو من أركان سعادتها داخل بيتها.

لما تزوج شُريح القاضي بامرأة من بني تميم، وكان يوم بنائه بها، يقول: (قمت أتوضأ فتوضأت معي، وصليت فصلت معي، فلما انتهيت من الصلاة دعوت بأن تكون ناصية مباركة وأن يعطيني الله من خيرها ويكفيني شرّها.

قال: فحمدت الله وأثنت عليه، ثم قالت: إنني امرأة غريبة عليك، فماذا يعجبك فآتيه، وماذا تكره فأجتنبه. قال: فقلت: إني أحبُّ كذا، وأكره كذا.

فقالت: هل تحب أن يزورك أهلي؟ فقلت: إنني رجلٌ قاض، وأخاف أن أملَّهم. فقالت: من تحب أن يزورك من جيرانك؟ فأخبرتها بذلك.

قال شريح: فجلست مع هذه المرأة في أرغد عيش وأهنئه حتى حال الحول، إذ دخلتُ البيت فإذا بعجوز تأمر وتنهي، فسألت من هذه؟ فقالت: إنها أمي. فسألته الأم: كيف أنت وزوجتك؟ فقال لها: خير زوجة. فقالت: ما حوت البيوت شرًا من المدللة، فإذا رابك منها ريب فعليك بالسوط.

قال شريح: فكانت تأتينا مرة كل سنة، تنصح ابنتها وتوصيها، ومكثت مع زوجتي عشرين عامًا لم أغضبْ إلا مرة واحدة، وكنت لها ظالمًا).

فهذا مثال حي يُظهر صفات جمة لهذه الزوجة الصالحة التي تقدم رضا زوجها على رضاها، وهواه على هواها، وما يحب على ما تحب.

طاعته في غير معصية أصلٌ أصيلٌ عندها، إذا فقدته فقدت الهواء الذي تتنفسه.

من أعظم الأسباب التي تسبب الشقاق بين الزوجين وربما وصل الأمر إلى الطلاق، هو عصيان المرأة لزوجها، ومن أهم أسباب السعادة بينهما حسن طاعة المرأة لزوجها.

ولا شك أن طاعة المرأة لزوجها يحفظ كيان الأسرة من التصدع والانهيار، وتحمل الزوج على محبته لزوجته، وتُعمق رابطة التآلف والمودة بينهما، فالزوج هو باب للمرأة إما إلى الجنة إن أطاعته في غير معصية ورضي عنها، أو إلى النار إن هي عصته وسخط عليها.

(إن المرأة المسلمة حين تطيع زوجها تكون في طاعة الله، وهي بذلك مأجورة، ولا سيما عندما تكون الطاعة فيما لا توافق عليه، بل إن الطاعة تتجلى في طاعته فيما تكره، أكثر مما تتجلى في طاعته فيما تحب، إن طاعته في قبول الجواهر النفيسة ليس كطاعته في تنفيذ أمر لا تريده، وكمال الطاعة يتحقق في أن تؤدي الأمر بكل سرور ورضا، أما إذا أدّته متبرمة متأففة، يعلو وجهها العبوس وأمارات الكراهية والضيق، فإن هذه الطاعة كعدمها.

إن إظهارها الرضا والسرور، وإشعار نفسها وزوجها بالقناعة مما يخفف عليها تنفيذ ما تكره)([2]).

وقد جاءت أحاديث كثيرة تحث المرأة على طاعة زوجها، وأخرى تبين للمرأة عظم مكانة الزوج، وأنه أولى الناس بها لا يبلغها أحدٌ من أقاربها أبدًا.

منها: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله r: أي النساء خير؟ قال: “التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره”([3]).

ومنها: ما رواه حُصين بن مُحصِن قال: حدثتني عمتي قالت: أتيت رسول الله r في بعض الحاجة، فقال: “أي هذه! أذات بعل؟” قلت: نعم، قال: “كيف أنت منه؟” قالت: ما آلوه([4]) إلا إذا عجزتُ عنه، قال: “فانظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك”([5]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله r: “إذا صلّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصّنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت”([6]).

فلتنظر المرأة كيف دخلت طاعة الزوج مع أركان عظيمة من أركان الإسلام.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله r: “حق الزوج على زوجته أن لو كانت به قُرحة، فلحستها ما أدت حقه”([7]).

وعن معاذ رضي الله عنه قال رسول الله r: “لو تعلم المرأة حق الزوج، لم تقعُد ما حضر غداءه وعشاؤه، حتى يفرغ منه”([8]).

قال الدكتور محمد بن لطفي الصباغ ـ حفظه الله ـ معلقًا على مبدأ طاعة الزوج فيما لا معصية فيه: (وهذا أمر طبيعي، فإن كان الزواج شركة، وكان الرجل هو صاحب القوامة، فلابد من طاعته فيما يأمر وينهى في حدود الشرع؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق… قد شاعت بين عدد من المثقفات فكرة خاطئة، وهي أن مساواة الرجل بالمرأة([9]) تقتضي تحررها نهائيًا من طاعته، وهي غلط في مقدمتها ونتيجتها، فمساواة المرأة بالرجل خديعة أطلقها ناس وهم لا يصدقونها؛ لأن الواقع لا يصدقها، ولو كان ذلك صحيحًا، فليس من الضروري أن يترتب عليها عدم الطاعة؛ لأن طاعة الرئيس لا تعني عدم المساواة بينه وبين مرءوسيه، وهذه الفكرة هي السبب في هدم بنيان كثير من الأسر اليوم.

إن الحياة المشتركة ينبغي أن تكون مبنية على التفاهم والتحاور والتشاور، ولكن القوامة ينبغي أن تكون للرجل كما قال ربنا تبارك وتعالى: ]الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ[ [النساء: 34].

وهناك حقيقة لابد أن تعلمها المرأة المثقفة، وأن تتذكرها دائمًا، وهي أن الرجل السويّ لا يحب المرأة المسترجلة التي ترفع صوتها على صوته، والتي تشاجره في كل أمر، وتخالفه في كل رغبة، وتسارع إلى ردِّ رأيه أو ما يقول، إن هذا الرجل ـ إن لم يطلقها ـ عاش معها كئيبًا عابسًا كارهًا، فتكون بذلك قد حرمت نفسها رؤية البهجة المرحة في وجه زوجها ومعاملته، وحرمت بيتها التمتع بالحنان الدافئ، وهي الخاسرة سواء شُرِّد أولادها بالطلاق، وتحطمت نفسيتها بالترمُّل، أم بقيت في بيت تعلوه سحب المصادمات اليومية، والحرائق النزاعية.

إن الزوجة الزكية هي التي لا تتخلى عن طبيعتها الرقيقة الهادئة الطيبة، إنها كما صورها الحديث الشريف راعية في بيت زوجها، تصونه، وترعاه، إذا نظر إليها زوجها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله)([10]).

رد واحد to “سلسة هذه هي زوجتي … الصفة السادسة”

  1. سلسة هذه هي زوجتي … الصفة السابعة « مدونة أم عبدالرحمن Says:

    […] ، والصفة الثالثة، والصفة الرابعة ، والصفة الخامسة، والصفة السادسة. والأن مع الصفة السابعة […]

أضف تعليق